فصل: الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث العشْرُونَ:

عَن عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من صَلَّى قَائِما فَهُوَ أفضل، وَمن صَلَّى قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم وَمن صلَّى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد» وَيروَى: «وَصَلَاة النَّائم عَلَى النّصْف من صَلَاة الْقَاعِد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الرجل وَهُوَ قَاعد، فَقَالَ: من صَلَّى قَائِما...» إِلَى قَوْله: «فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «أَنه سَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الرجل قَاعِدا فَقَالَ: صلَاته قَائِما أفضل من صلَاته قَاعِدا، وَصلَاته قَاعِدا عَلَى النّصْف من صلَاته قَائِما، وَصلَاته نَائِما عَلَى النّصْف من صلَاته قَاعِدا».
فَائِدَة: المُرَاد بالنائم المضطجع يدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الحَدِيث السَّالف «فَإِن لم يسْتَطع فعلَى جنب» وَترْجم لَهُ النَّسَائِيّ بَاب صَلَاة النَّائِم، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ تَصْحِيف وَإِنَّمَا هُوَ نَائِما؛ أَي: بِالْإِشَارَةِ كَمَا رُوِيَ صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى ظهر الدَّابَّة يُومِئ إِيمَاء، وَحمل الَّذِي قَالَ أَنه تَصْحِيف النّوم عَلَى ظَاهره، وَاسْتدلَّ بِأَمْر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُصَلِّي إِذا غَلبه النّوم أَن يقطع الصَّلَاة، وَإِذا حمل عَلَى الِاضْطِجَاع كَمَا ذكره الْأَئِمَّة انْدفع مَا أَشَارَ إِلَيْهِ، ذكر هَذَا كُله الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه، قَالَ الْعلمَاء: والْحَدِيث الْمَذْكُور فِي صَلَاة النَّافِلَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الْقيام، فَأَما الفَرْضُ فَلَا يجوز قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة بِالْإِجْمَاع؛ فَإِن عجز لم ينقص ثَوَابه ولَا ينقص ثَوَاب فعل الْعَاجِز أَيْضا.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: فِي دُعَاء الاستفتاح.
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ عَنهُ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَنه كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: وجَّهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك، ظلمت نَفسِي وَاعْتَرَفت بذنبي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، واهدني لأحسن الْأَخْلَاق لَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت، واصرف عني سيئها، لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت، لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر كُله فِي يَديك، وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك، أَنا بك وَإِلَيْك، تَبَارَكت وَتَعَالَيْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. وَإِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي. وَإِذا رفع قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض وملء مَا بَينهمَا وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد. وَإِذا سجد قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشقَّ سَمعه وبصره، تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ. ثمَّ يكون من آخرهَا يَقُول بَين التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم: اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخَّرت، وَمَا أسررتُ وَمَا أعلنت وَمَا أسرفت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت المقدِّم وَأَنت المؤخِّر. لَا إِلَه إِلَّا أَنْت».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر ثمَّ قَالَ: وجهت وَجْهي. وَقَالَ: وَأَنا أول الْمُسلمين قَالَ: وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: سمع الله لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد. وَقَالَ: وصوره فَأحْسن صوره. وَقَالَ: إِذا سلَّم قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت... إِلَى آخِره، وَلم يقل: بَين التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم».
وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: «وَإِذا فرغ من صلَاته وسلَّم قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي...» فَذكره، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه بعد «حَنِيفا»، «مُسلما» وَقَالَ فِي أَوله: «كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: قَالَ الشَّافِعِي عقب هَذَا الحَدِيث: وَبِهَذَا أَقُول وآمر وَأحب أَن يَأْتِي بِهِ كَمَا يرْوَى عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُغَادر مِنْهُ شَيْئا، وَيجْعَل مَكَان «وَأَنا أول الْمُسلمين»: وَأَنا من الْمُسلمين، لِأَن «وَأَنا أول الْمُسلمين» لَا تصلح لغير رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَبِذَلِك أَمر مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر وَجَمَاعَة من فُقَهَاء الْمَدِينَة.
تَنْبِيهَانِ:
الأول: ذكر الرَّافِعِيّ أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول بعد «حَنِيفا»: «مُسلما» وَقد عَلمته وَبعد: «لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك...» وَبعده «فالخير كُله بيديك» «وَالْمهْدِي من هديت».
وَقد رَوَاهُ كَذَلِك الشَّافِعِي فِي السّنَن المأثورة عَنهُ عَن مُسلم بن خَالِد وَعبد الْمجِيد بن أبي رواد قَالَا: ثَنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي مُوسَى بن عقبَة، عَن عبد الله بن الْفضل، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن عبيد بن أبي رَافع، عَن عَلّي... فَذكره سَوَاء، إِلَّا أَنه: قَالَ: «حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين» وَهُوَ فِي الْمسند بِلَفْظ: «وَالْمهْدِي من هديت» وَزَاد بعد ذَلِك قَوْله: «وَأَنا أول الْمُسلمين» شَككت أَن أحدهم قَالَ: «وَأَنا من الْمُسلمين، اللَّهُمَّ أَنْت الْملك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك أَنْت رَبِّي» وَجزم فِي رِوَايَته فِي الْأُم بِرِوَايَة «وَأَنا أول الْمُسلمين» وَفِيه: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك» وَفِيه: «وأعترف بذنبي» وَفِيه «وَلَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت» وَفِيه «لَا ملْجأ وَلَا منْجَى مِنْك إِلَّا إِلَيْك» وَفِيه: «أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك» وَفِي وَرِوَايَة الْأُم الَّتِي ذَكرنَاهَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَرِوَايَة الْمسند من حَدِيث عَلّي. وَجَاءَت أَحَادِيث أخر فِي الاستفتاح- بسبحانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك- مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن حُسَيْن بن عِيسَى، نَا طلق بن غَنَّام، نَا عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن بُدَيل بن ميسرَة، عَن أبي الجوزاء، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استفتح الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك».
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بالمشهور عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، لم يروه إِلَّا طلق بن غنَّام، وَقد رَوَى قصَّة الصَّلَاة جمَاعَة غير وَاحِد، عَن بديل بن ميسرَة لم يذكرُوا فِيهِ شَيْئا من هَذَا.
قلت: طلق بن غَنَّام أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَعبد السَّلَام بن حَرْب وثَّقه أَبُو حَاتِم وَأخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَكَذَا من فَوْقه إِلَى عَائِشَة؛ لَا جرم قَالَ الْحَافِظ عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي: مَا علمت فِي هَذَا الْإِسْنَاد مجروحًا.
قلت: لكنه مُرْسل فَإِنَّهُ من رِوَايَة أبي الجوزاء، عَن عَائِشَة، وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث أَنه مُرْسل مَعَ مَا فِيهِ من الْبَحْث، وَأما الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن رَوَاهُ فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا ثمَّ قَالَ: وَقد صحَّت الروايةُ فِيهِ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الخطَّاب أَنه كَانَ يَقُوله وَكَذَا قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه أَنه صَحَّ عَن عمر أَنه كَانَ يَقُوله وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَنهُ أَنه كَانَ يجْهر بهَا.
الثَّانِي: لما ذكر الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث قَالَ: وَذكر بعض الْأَصْحَاب أَن السُّنة فِي دُعَاء الاستفتاح أَن يَقُول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك...» إِلَى آخِره، ثمَّ يَقُول: «وجهت وَجْهي...» إِلَى آخِره، جمعا بَين الْأَخْبَار انْتَهَى، وَقد عرفت ذَلِك.

.الحديث الثَّاني بعد الْعشْرين:

عَن جُبيرِ بن مُطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتعوَّذ قبل الْقِرَاءَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن رجل، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه قَالَ: «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي التَّطَوُّع: الله أكبر كَبِيرا- ثَلَاث مَرَّات- وَالْحَمْد لله كثيرا- ثَلَاث مَرَّات- وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا- ثَلَاث مَرَّات- اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه. قلت: يَا رَسُول الله، مَا همزه ونفخه ونفثه؟ قَالَ: أما همزه فالموتةُ الَّتِي تَأْخُذ ابْن آدم، وَأما نفخه الْكبر، ونفثه الشّعْر».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن مرّة أَيْضا، عَن عَاصِم الْعَنزي- أَو عباد بن عَاصِم، أَو عمار بن عَاصِم- أَقْوَال فِيهِ وَلَعَلَّه الرجل الْمُبْهم فِي سَنَد أَحْمد. فَالْأول: قَالَه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ.
وَالثَّانِي: ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه. وَالثَّالِث: الْبَزَّار عَن ابْن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه: «أَنه رَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلى صَلَاة قَالَ عَمْرو: لَا أَدْرِي أَي صَلَاة هِيَ. قَالَ: الله أكبر الله أكبر كَبِيرا، الله أكبر كَبِيرا، الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا، سُبْحَانَ الله بكرَة وَأَصِيلا- ثَلَاثًا- أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من نفخه ونفثه وهمزه».
قَالَ عَمْرو: نفثه: الشّعْر، ونفخه: الْكبر، وهمزه: الموتة. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن رجل، عَن ابْن جُبَير، عَن أَبِيه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي التَّطَوُّع...» وَذكر نَحوه، وَهَذِه طَريقَة أَحْمد كَمَا قدمتها وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه كَرِوَايَة أبي دَاوُد الأولَى سَوَاءً.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان من طَرِيقين بِسَنَد أبي دَاوُد الأول:
أَحدهمَا: لَفظه فِيهِ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل في الصَّلَاة قَالَ: الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا- ثَلَاثًا- وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا- ثَلَاثًا- أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه» ثمَّ ذكر تَفْسِير ذَلِك عَن عَمْرو كَمَا تقدم.
الثَّانِي: عَن جُبَير قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان من همزه ونفخه ونفثه» ثمَّ ذكر تَفْسِير ذَلِك كَمَا فِي الَّذِي قبله. والموتة: تَعْنِي الْجُنُون. والنفث: كل مَا نفخ الرجل من فِيهِ من غير أَن يخرج رِيقه. وَالْكبر: التيه.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِسَنَد الْجَمَاعَة وَلَفظه: «إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ: الله أكبر كَبِيرا، وَالْحَمْد لله كثيرا، وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا- ثَلَاث مَرَّات- اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَذكره ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من طَرِيق سمي فِيهِ ابْن جُبَير بِنَافِع.
قلت: وَقد أسلفنا ذَلِك عَن رِوَايَة أَحْمد.
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه: حَدِيث جُبَير هَذَا اخْتلف فِي إِسْنَاده، فَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة عَن عَاصِم الْعَنزي، عَن ابْن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن عَمْرو بن مرّة، فَقَالَ: عَن عباد بن عَاصِم عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه: وَعَاصِم الْعَنزي وَعباد بن عَاصِم مَجْهُولَانِ لَا نَدْرِي من هما، وَلَا نعلم الصَّحِيح مَا رَوَى حُصَيْن أَو شُعْبَة.
قلت: عَاصِم الْعَنزي موثَّق، ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَذكر الحَدِيث وَالِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ عَن غير جُبَير بن مطعم «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَعَوَّذ قبل الْقِرَاءَة».
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ورد ذَلِك من عدَّة طرق:
إِحْدَاهَا: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ كبر ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك. ثمَّ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله- ثَلَاثًا- ثمَّ يَقُول: الله أكبر كَبِيرا- ثَلَاثًا- ثمَّ يَقُول: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه».
رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَرُبمَا يزِيد بَعضهم عَلَى بعض. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث أشهر حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، وَقد تكلم فِي إِسْنَاده، كَانَ يَحْيَى بن سعيد يتَكَلَّم فِي عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي- يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- وَقَالَ أَحْمد: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح.
قلت: فَلم أخرجته فِي مسندك وشرطك فِيهِ الصِّحَّة كَمَا رَوَاهُ عَنْك الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ، وَقد سَأَلَك حَرْب الْكرْمَانِي عَن عَلّي بن عَلّي، فَقلت: لم يكن بِهِ بَأْس، وَسَيَأْتِي عَنهُ أَنه صَالح أَيْضا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: النَّاس يَقُولُونَ: هُوَ عَن عَلّي بن عَلّي، عَن الْحسن. وَالوهم من جَعْفَر- يَعْنِي: ابْن سُلَيْمَان الضبعِي- الرَّاوِي عَن عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله وَأعله بقول أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ.
قلت: وَعلي هَذَا وَثَّقَهُ وَكِيع وَأَبُو نعيم وَابْن معِين وجماعات. قَالَ ابْن سعد ثَنَا الْفضل بن دُكَيْن وَعَفَّان قَالَا: كَانَ عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي يشبه بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الإِمَام أَحْمد: هُوَ صَالح. قيل: كَانَ يشبه النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَذَا يُقَال. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار: كَانَ عَلّي بن عَلّي الرِّفَاعِي زَعَمُوا أَنه كَانَ يُصَلِّي كل يَوْم سِتّمائَة رَكْعَة، وَكَانَ تشبه عينه- بِعَين النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ رجلا عابدًا ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِهِ بَأْس، لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه: أما مَا يفْتَتح بِهِ الْعَامَّة صلَاتهم بخراسان من قَوْلهم: سُبْحَانَكَ الله وَبِحَمْدِك، تبَارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك فَلَا نعلم فِي هَذَا خَبرا ثَابتا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ، وَأحسن إِسْنَاد نعلمهُ رُوِيَ فِي هَذَا خبر أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ... فَذكره كَمَا تقدم عَن أَصْحَاب السّنَن وَغَيرهم. ثمَّ قَالَ: هَذَا الْخَبَر لم نسْمع فِي الدُّنْيَا عَالما فِي قديم الدَّهْر وَحَدِيثه اسْتَعْملهُ عَلَى وَجهه، وَلَا سمعنَا عَالما وَلَا حُكيَ لنا عَمَّن شَاهد من الْعلمَاء أَنه كَانَ يكبر لافتتاح الصَّلَاة ثَلَاثًا ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك... إِلَى قَوْله ولَا إِلَه غَيْرك ثَلَاثًا، ثمَّ يهلل ثَلَاثًا، ثمَّ يكبر ثَلَاثًا.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم وهمزه ونفخه ونفثه. قَالَ: همزه: الموتة، ونفخه: الشّعْر، ونفثه: الْكبر».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه هَكَذَا من حَدِيث ابْن فُضَيْل، نَا عَطاء بن السَّائب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن ابْن مَسْعُود بِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل فِي الصَّلَاة يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم ونفخه وهمزه ونفثه. قَالَ: فهمزه: الموتة، ونفخه: الشّعْر، ونفثه: الْكبر».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقد اسْتشْهد البُخَارِيّ بعطاء بن السَّائِب. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل فِي الصَّلَاة...» الحَدِيث. قَالَ عَطاء: فهمزه الموتة. وَذكر بَاقِيه.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك...» إِلَى آخِره.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة كبر ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله ثَلَاث مَرَّات سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ثَلَاث مَرَّات وقَالَ: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم من همزه ونفخه ونفثه».
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث يعْلى بن عَطاء، عَن رجل أَنه سمع أَبَا أُمَامَة يَقُول... فَذكره.
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن شيخ من أهل دمشق أَنه سمع أَبَا أُمَامَة... فَذكره.
قَالَ الرَّافِعِيّ وقد ورد الْخَبَر بِأَن صِيغَة التَّعَوُّذ: «أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم».
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفنا ذَلِك مَعَ غَيره أَيْضا، ثمَّ ادَّعَى الرَّافِعِيّ أَنه اشْتهر من فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّعَوُّذ فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَلم يشْتَهر فِي سَائِر الرَّكْعَات.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَخْرجَاهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهما: «بِأم الْقُرْآن» وَفِي رِوَايَة لمُسلم مُنْفَردا بهَا فَصَاعِدا. قَالَ البُخَارِيّ فِي كِتَابه وجوب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام: لم يُتَابع معمرًا عَلَيْهَا، وَهِي غير مَعْرُوفَة. قَالَ: وَيُقَال إِن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق تَابعه، وَأَن عبد الرَّحْمَن رُبمَا رَوَى عَن الزُّهْرِيّ وَأدْخل بَينه وَبَين الزُّهْرِيّ غَيره، وَلَا نعلم أَن هَذَا من صَحِيح حَدِيثه أم لَا.
وَفِي رِوَايَة للدارقطني: بِإِسْنَاد لَا شكّ وَلَا مرية فِي صِحَّته: «لَا تُجزئ صَلَاة لَا يقْرَأ الرجل فِيهَا بِأم الْقُرْآن».
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن، وَرِجَاله كلهم ثِقَات. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: صَحِيح.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.
قَالَ ابْن الصّلاح: وَإِن تفرد بِهَذِهِ اللَّفْظَة شُعْبَة ثمَّ عَنهُ وهب بن جرير فَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة لما عرف.
وَفِي صَحِيح الْحَاكِم وسنَن الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أَشهب بن عبد الْعَزِيز، نَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن شهَاب، عَن مَحْمُود بن الرّبيع، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أم الْقُرْآن عوض من غَيرهَا، وَلَيْسَ غَيرهَا مِنْهَا بعوض» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: قد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاج هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ من أوجه مُخْتَلفَة بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، ورواة هَذَا الحَدِيث أَكْثَرهم أَئِمَّة وَكلهمْ ثِقَات عَلَى شَرطهمَا. قَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة لم يخرجَاهُ وأسانيدها مُسْتَقِيمَة. ثمَّ ذكرهَا بأسانيده.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصَرف من صَلَاة جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: هَل قَرَأَ معي أحد مِنْكُم فَقَالَ رجل: نعم يَا رَسُول الله. فَقَالَ: مَا لي أنازع الْقُرْآن؟! فَانْتَهَى النَّاس عَن الْقِرَاءَة فِيمَا يجْهر فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ وَأحمد فِي الْمسند وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن ابْن أكيمَة- بِضَم الْألف وَفتح الْكَاف- عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الحميديُّ- شيخ البُخَارِيّ-: هَذَا الحَدِيث فِيهِ رجل مَجْهُول لم يرو عَنهُ غَيره قطّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: تفرد بِهِ ابْن أكيمَة، وَهُوَ مَجْهُول، لم يحدث إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث وَحده وَلم يحدث عَنهُ غير الزُّهْرِيّ وَلم يكن عِنْد الزُّهْرِيّ من مَعْرفَته أَكثر من أَن رَآهُ يحدث سعيد بن الْمسيب. ثمَّ نقل كَلَام الْحميدِي السالف.
وَكَذَا قَالَ فِي مَعْرفَته: إِن هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ ابْن أكيمَة، وَهُوَ مَجْهُول.
قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي اسْمه؛ فَقيل: عمَارَة، وَقيل: عمار، وَكَذَا نصَّ فِي خلافياته عَلَى أَنه مَجْهُول.
وَاعْترض الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَقَالَ فِي أَحْكَامه: قَول الْبَيْهَقِيّ: إِن ابْن أكيمَة رجل مَجْهُول، وَلم يحدث إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث وَحده، وَأَنه لم يحدث عَنهُ غير الزُّهْرِيّ. لَيْسَ كَذَلِك؛ فقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: صَحِيح الحَدِيث وَحَدِيثه مَقْبُول.
قَالَ: وَحكي عَن أبي حَاتِم البستي أَنه قَالَ: رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَسَعِيد بن أبي هِلَال وَابْن ابْنه عَمْرو بن مُسلم بن عمار بن أكيمَة بن عَمْرو.
قلت: وهُوَ كَمَا قَالَ من عدم جهالته، وَعدم تفرد الزُّهْرِيّ عَنهُ.
قَالَ ابْن معِين: رَوَى عَنهُ مُحَمَّد بن عَمْرو وَغَيره. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَقَالَ: هُوَ خولاني يروي عَن أبي هُرَيْرَة واسْمه: عَمْرو بن مُسلم بن عمار بن أكيمَة رَوَى عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَأَخُوهُ عمر بن مُسلم بن عمار يروي عَن سعيد بن الْمسيب، وَسَعِيد بن أبي هِلَال، وَمُحَمّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة رَوَى عَنهُ مَالك وَقَالَ: عَمْرو بن مُسلم إِنَّمَا هُوَ عمر بن مُسلم لَا عَمْرو. لِأَن مَالِكًا لم يدْرك عَمرًا وَقَالَ فِي صَحِيحه بعد إِخْرَاجه هَذَا الحَدِيث: اسْم ابْن أكيمَة هَذَا. عَمْرو بن مُسلم بن عمار بن أكيمَة، وهما أَخَوان عَمْرو بن مُسلم وَعمر بن مُسلم فَأَما عَمْرو فَهُوَ تَابِعِيّ سمع أَبَا هُرَيْرَة: وَسمع عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَأما عمر فَهُوَ من أَتبَاع التَّابِعين سمع سعيد بن الْمسيب. وَرَوَى عَنهُ مَالك وَمُحَمّد بن عَمْرو وهما ثقتان.
وَفِي التَّمْهِيد كَانَ ابْن أكيمَة يحدث فِي مجْلِس سعيد بن الْمسيب وَهُوَ يصغى إِلَى حَدِيثه، وبحديثه أَخذ وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى جلالته عِنْدهم وثقته.
قلت: فقد زالتْ عَنهُ الْجَهَالَة العينية والحالية بِرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ وتوثيق أبي حَاتِم بن حبَان إِيَّاه، وَإِخْرَاج الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته، وَتَصْحِيح أبي حَاتِم الرَّازِيّ حَدِيثه وَأَنه مَقْبُول، وتحسين التِّرْمِذِيّ لَهُ، وسكوت أبي دَاوُد عَنهُ فَهُوَ حسن كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ، بل هُوَ صَحِيح كَمَا قَالَه ابْن حبَان، وَتفرد ابْن أكيمَة بِهِ لَا يُخرجهُ عَن كَونه صَحِيحا لما علم من أَنه لَا يضر تفرد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ، كَيفَ وَقد أخرجه إِمَام دَار الْهِجْرَة فِي موطئِهِ مَعَ مَا علم من تشديده وتحرِّيه فِي الرِّجَال، وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد: مَالك إِذا رَوَى عَن رجل لَا يعرف فَهُوَ حجَّة. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: كَانَ مَالك لَا يبلغ من الحَدِيث إِلَّا صَحِيحا ولَا يحدث إِلَّا عَن ثِقَات.
وروينا عَن بشر بن عمر الزهْرَانِي قَالَ: سَأَلت مَالِكًا عَن رجل قَالَ: هَل رَأَيْته فِي كتبي؟ قلت: لَا، قَالَ: لَو كَانَ ثِقَة لرأيته فِي كتبي. فَهَذَا تَصْرِيح من هَذَا الإِمَام بِأَن كل من رَوَى عَنهُ فِي موطئِهِ يكون ثِقَة.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: تبع الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث المهذَّب الْبَيْهَقِيّ فِي مقَالَته السَّالفة، وَقد علمت مَا فِيهَا، وَبَالغ النَّوَوِيّ فِي خلاصته فَقَالَ: اتَّفقُوا عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن ابْن أكيمَة مَجْهُول. قَالَ: وَأنكر الْأَئِمَّة عَلَى التِّرْمِذِيّ تحسينه. هَذَا كَلَامه؛ وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ.
ثَانِيهَا: تحصلنا فِيمَا مَضَى فِي اسْم ابْن أكيمَة عَلَى أَقْوَال: أَحدهَا: عمَارَة. وَثَانِيها: عمار. وَثَالِثهَا: عمر. وَقد ذكر الأول التِّرْمِذِيّ فِي جامعه مقدما الأول، وَفِيه أَقْوَال أخر: أَحدهَا: عَامر. ثَانِيهَا: يزِيد. ثَالِثهَا: عباد. حكاهن الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه وَقَالَ: وكنيته: أَبُو الْوَلِيد. رَابِعهَا: عمر، حَكَاهُ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب وَقد سلف أَيْضا.
ثَالِثهَا: قَوْله: «فَانْتَهَى النَّاس عَن الْقِرَاءَة...» إِلَى آخِره، لَيْسَ من كَلَام سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام الزُّهْرِيّ مدرج فِي الحَدِيث؛ لذَلِك أطبق الْحفاظ عَلَيْهِ كَمَا بَينه الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه:
سَمِعت مُحَمَّد بن يَحْيَى بن فَارس يَقُول: قَوْله: «فَانْتَهَى النَّاس» من كَلَام الزُّهْرِيّ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَا قَالَه البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ قَالَ: هَذَا الْكَلَام من قَول الزُّهْرِيّ وَكَذَا قَالَه مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي شيخ البُخَارِيّ وَإِمَام أهل نيسابور، والخطابي، وَابْن حبَان وَغَيرهم.
وَاتفقَ هَؤُلَاءِ كلهم عَلَى أَن هَذِه اللَّفْظَة مدرجة فِي الحَدِيث من كَلَام الزُّهْرِيّ وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ بَينهم.
رَابِعهَا: رَوَى أَحْمد فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابيه: السّنَن والْمعرفَة من رِوَايَة عبد الله ابْن بُحَيْنَة بِنَحْوِ رِوَايَة ابْن أكيمَة عَن أبي هُرَيْرَة ثمَّ رَوَى عَن الْحَافِظ يَعْقُوب بن سُفْيَان أَنه قَالَ: هَذَا خطأ لَا شكّ فِيهِ وَلَا ارتياب وَالله الْمُوفق.

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

عَن عبَادَة بن الصَّامت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْفجْر فَثقلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة، فَلَمَّا فرغ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تقرءون خَلْفي؟ قُلْنَا: نعم. قَالَ: لَا تَفعلُوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بهَا».
هَذَا الحَدِيث جَيِّد رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أحمدُ فِي مُسْنده، والبخاريُّ فِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام محتجًّا بِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والْمعرفَة.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده حسن، وَرِجَاله ثِقَات. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِسْنَاده جيد لَا مطْعن فِيهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده مُسْتَقِيم. فَإِن قلت فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَقد قَالَ عَن مَكْحُول وَابْن إِسْحَاق: مُدَلّس كَمَا أسلفناه فَكيف يكون حسنا؟! فَالْجَوَاب أَن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حبَان رووا بأسانيدهم عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي مَكْحُول... الحَدِيث. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: هَذَا الْإِسْنَاد حسن. فَزَالَ ذَلِك- وَللَّه الْحَمد وفِي بعض رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض الصَّلَاة الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: لَا يقْرَأن أحد مِنْكُم إِذا جهرت بِالْقِرَاءَةِ إِلَّا بِأم الْقُرْآن» قَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب هَذِه الرِّوَايَة: والْحَدِيث صَحِيح عَن عبَادَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَهُ شَوَاهِد ذكرهَا.
وَفِي رِوَايَة لَهُ ولأبي دَاوُد وَغَيرهمَا بعد قَوْله: «لَعَلَّكُمْ تقرءون خَلْفي؟ قُلْنَا: أجل يَا رَسُول الله نَفْعل هَذَا...» وَفِي رِوَايَة للدَّار قطني: «نهذه هذًّا وندرسه درسًا...»- والهذُّ بتَشْديد الذَّال وتنوينها- قَالَ الخطَّابي وَغَيره: هُوَ سرعَة وَشدَّة الاستعجال فِي الْقِرَاءَة. وَقيل: المُرَاد بالهذ هُنَا: الْجَهْر، وَتَقْدِيره: نهذه هذًّا.
تَنْبِيه: طعن ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه التَّحْقِيق فِي هَذَا الحَدِيث بِابْن إِسْحَاق، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ فَإِنَّهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث كَمَا أسلفناه، وَقد احْتج بِهِ هُوَ فِي مَوَاضِع أخر؛ ثمَّ طعن فِيهِ أَيْضا بِأَن قَالَ: مَكْحُول ضَعِيف. وَلَيْسَ بجيد أَيْضا؛ فَإِنَّهُ ثِقَة، رَوَى لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه و«الْأَرْبَعَة» وَإِن ضعفه ابْن سعد؛ وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ لأجل ذَلِك فَقَالَ: ذكر مُحَمَّد بن سعد عَن جمَاعَة من الْعلمَاء أَنهم قَالُوا: كَانَ ضَعِيفا فِي الرِّوَايَة. وَمَا ذكره ابْن سعد معَارض بِأَن جمَاعَة وثَّقوه، وَهُوَ من رجال الصَّحِيح كَمَا قَرَّرْنَاهُ، ثمَّ ذكره ابْن الْجَوْزِيّ بِسَنَد آخر، وَأعله بزيد بن وَاقد وَقَالَ: قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ: إِنَّه لَيْسَ بِشَيْء. ثمَّ قَالَ: عَلَى أَنه وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَهَذَا وهم مِنْهُ؛ فزيد هَذَا صَاحب مَكْحُول، وَثَّقَهُ الإِمَام أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين ودحيم وَالْعجلِي وَابْن حبَان، وَرَوَى لَهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه ومقالة أبي زرْعَة إِنَّمَا هِيَ فِي زيد بن وَاقد السَّمْتِي الْبَصْرِيّ، نزيل الرّيّ. وَوهم أَيْضا فِي نَقله عَن الدَّارَقُطْنِيّ تَوْثِيق هَذَا؛ إِنَّمَا وثق الشَّامي وَأما هَذَا فوثقه أَبُو حَاتِم؛ فَتنبه لذَلِك.